بعد رفضه عدة اتصالات من قسم التوظيف وافق أخيراً مقابلة المدير التنفيذي العائد إلى الشركة حديثاً، وما هي إلا دقائق من اجتماعهما حتى اتخذ قراره بترك عمله كمدير مرموق في واحدة من أكبر شركات التقنية في العالم وأكثرها استقراراً إلى شركة تقف على حافة الإفلاس والفوضى.

وراء كواليس القصة “الملحمية ” لعودة ستيف جوبز عام 1997 إلى شركة آبل التي تصور شخصاً استطاع لوحده اصلاح شركة على مشارف الزوال وما تحمله تلك القصة من جاذبية اسماء براقة مثل منتج “آي ماك” وشعار “فكر باختلاف”، كان هناك أشخاصاً يقودون أقسامهم في تلك الشركة لتحقيق قصة نجاحها .. نعم هي تبدوا أقل جاذبية من القصة المتداولة .. مثلاً لنقل بجاذبية عمليات الإمداد والتوريد!

انضم تيم كوك المدير التنفيذي الحالي لآبل عام 1998 في منصب “نائب المدير الأول للعمليات العالمية” – ليصبح بعدها مدير التشغيل قبل استلامه منصب المدير التنفيذي – ليجد نفسه أمام منظومة لوجستية معقدة غير كفؤة ومكلفة ومخازن مملوءة بالمواد التي تحمل بالإضافة لقيمتها المالية المعطلة وتكاليف تخزينها تحمل أيضاً مخاطر التقادم التي تفرضها طبيعة الصناعة التقنية.

معدل دوران المخزون (Inventory Turnover) و أيام التخزين (DIO – Days Inventory Outstanding):

يُعتبر معدل دوران المخزون من النسب المالية المهمة لقياس كفاءة النشاط التشغيلي للشركة. فهو يعبر عن كفاءة إدارتها لمخزونها وعدد مرات تدويرها له خلال الفترة الزمنية المُقاس فيها.
ارتفاع معدل دوران المخزون هو مؤشرٌإما على ارتفاع المبيعات أو قدرة الإدارة بالاحتفاظ على مستويات منخفضة من المخزون وبالتالي إبقاءه أيام أقل في المستودعات، فارتفاع المعدل دليل على كفاءة إدارة الشركة لمخزونها.
اما انخفاض معدل دوران المخزون يعني احتفاظ الشركة بكميات فائضة من المواد لفترات أطول والتي تتطلب مساحات تخزينية أكبر وتكاليف تخزين أعلى ما عدا مخاطر التقادم وحجز جزء من رأس المال العامل للشركة بصورة مواد متراكمة في المستودعات لفترات طويلة.

معدل دوران المخزون – المعادلة:

معدل دوران المخزون = تكلفة البضاعة المباعة ÷ متوسط رصيد المخزون*

* متوسط المخزون= (مخزون أول المدة + مخزون آخر المدة) ÷ 2

أيام التخزين – المُعادلة:

• الطريقة المباشرة:
  أيام التخزين = (متوسط رصيد المخزون ÷ تكلفة البضاعة المباعة) × 365*
• الطريقة الغير مباشرة (باستخدام معدل دوران المخزون):
  أيام التخزين = 365* ÷ معدل دوران المخزون

*365 يوم لسنة مالية كاملة

الاعتبارات عند احتساب نسب المخزون:

1. ما هي الفترة الزمنية التي يتم قياس النسبة خلالها هل هي لسنة مالية؟، أم نصف سنوية أو ربعية أو شهرية؟ يجب أن يكون رصيد أول المدة وآخر المدة للمخزون يتطابقان مع الفترة التي تم احتساب تكلفة المبيعات عنها، فنتيجة نسبة معدل دوران المخزون لفترة ربع سنوية سوف تعبر عن عدد مرات تدوير المخزون خلال الربع المحسوبة فيه، وعند احتساب أيام التخزين لنفس الفترة يجب استبدال عدد الأيام 365 إلى 90 يوم (عدد أيام الربع).
2. في بعض الأحيان يتم احستاب النسب السابقة في حال عدم توفر معلومة رصيد أول المدة باستبدال متوسط رصيد المخزون برصيد آخر المدة فقط فتكون المعادلات:

معدل دوران المخزون = تكلفة البضاعة المباعة ÷ رصيد مخزون آخر المدة
أيام التخزين = (رصيد مخزون آخر المدة ÷ تكلفة البضاعة المباعة) × 365

اكتشاف المدير التنفيذي عبر أرقام آبل:

السنة**	تكلفة المبيعات*	رصيد المخزون*	معدل دوران المخزون	أيام المخزون
1996	8,865	662	7	50
1997	5,713	437	10	35
1998	4,462	78	17	21
1999	4,438	20	91	4

* مليون دولار أمريكي
** القوائم المالية مصدرة للسنة المالية المنتهية في سبتمبر من كل سنة.

استطاع تيم كوك خلال أقل من سنتين من تعيينه من:

1. خفض رصيد المخزون بنسبة 95% من 437 مليون دولار في عام 1997 إلى 20 مليون دولار في عام 1999.
2. رفع معدل دوران المخزون تسعة أضعاف من 10 إلى ما يقارب 90 مرة بين عامي 1997 وعام 1999 على التوالي.
3. إنخفاض أيام التخزين من 35 يوماً عام 1997 إلى 4 أيام فقط في عام 1999.

ساهمت تلك التغييرات في رفع الكفاءة التشغيلية وبالتالي المالية للشركة، فعلى مستوى التدفقات النقدية أدى انخفاض أيام التخزين إلى تسريع دورة تحويل النقد (أيام التخزين + أيام الذمم المدينة – أيام الدائنين) وكما ساهم خفض مستوى المخزون إلى تحرير جزء من النقد المحتجز على شكل بضائع متراكمة وكان ذلك من العوامل التي أدت إلى تحسين التدفقات النقدية من الانشطة التشغيلية بخمسة أضعاف من 154 مليون إلى 789 مليون دولار بين عامي 1997 و 1999 على التوالي الأمر الذي وفر المال الفائض للإنفاق على أنشطة تطوير المنتجات والذي مهد الطريق لظهور منتجات مثل “أي بود” و”أي فون”.

أما على مستوى الربحية فقد ساهم خفض مستوى المخزون في تخفيف مساحات التخزين المطلوبة وتكاليف التخزين والاحتفاظ بالمواد، كما ساهم تسريع دورة المخزون إلى مرونة شركة آبل للاستجابة لمتطلبات السوق وتجنب خسائر شطب المواد المتقادمة الذي كان قد انهك قوائم الدخل للسنوات السابقة لانضمام تيم كوك لتتحول آبل من شركة خاسرة (1,045 مليون دولار صافي خسارة عام 1997) إلى شركة رابحة (601 مليون دولار أرباح عام 1999)

الذي يجب الاشادة به هنا في ليس التغيير الذي قام به تيم كوك بل هو الاستمرارية والثبات في الأرقام التي حققها منذ عام 1998 والتي استمرت حتى يومنا هذا حتى بعد استلامه لمنصب المدير التنفيذي لشركة آبل والذي وضعها في المرتبة الأولى بين الشركات من حيث إدارة عمليات سلسلة الإمداد والتوريد.

كيف استطاع تيم كوك قلب الأرقام:

لم تكن خبرة تيم كوك عبارة عن خبرة مهنية فقط اكتسبها من عمله في شركة أي بي إم وبعدها كومباك، بل كانت فلسفة متكاملة مُدرِكة لأبعاد مجال التشغيل وتحديداً مجال الإمداد والتوريد ويُنقل عنه قوله:

“المخزون شرٌّ جوهري، يجب عليك التعامل معه كما تتعامل مع منتجات الالبان”

فما هي الخطوات التي قام بها تيم كوك لتحسين عمليات الإمداد والتوريد في شركة آبل والتي حققت تلك النقلة في الأرقام؟

1. تطبيق نظام مخزون “عند الحاجة”(Just-In-Time) والذي يعني أن آبل سوف تستلم المكونات فقط عند وجود طلب جاهز للتصنيع.
2. تخفيض عدد الموردين بنسبة 75% من 100 مورد إلى 24 مورد الذي سهل عملية إدارة الموردين وبناء علاقات متينة معهم، والحصول على فترات سداد طويلة تصل أحياناً إلى 90 يوماً من تاريخ استخدام المواد.
3. وضع شروط على الموردين مثل وجود مستودعات تكفي لمخزون اسبوعين في نطاقات لا تبعد أكثر من ميل واحد عن المصانع التابعة لشركة آبل.
4. تخفيض عدد المستودعات إلى النصف تقريباً من 19 إلى 10 مستودعات الذي ساهم في تبسيط عملية إدارة المخزون وتتبعه.
5. إغلاق مصانع شركة آبل والإعتماد على مصنعين خارجيين وفق معايير عالية وإشراف مباشر من الشركة، مما خفف من حجم المخزون وبالتحديد مخزون الانتاج تحت التصنيع.

خطوات يمكنك القيام بها:

1. حاول أن تحصل على القوائم المالية لشركتك للأعوام الثلاثة الماضية وقم بحساب نسب معدل دوران المخزون وأيام التخزين وقم بمقارنة للأداء بين تلك السنوات (هل تحقق الشركة تحسناً أم تراجعاً في نسبها المتعلقة بالمخزون؟)
2. أدخل في نقاش غير رسمي عبر مكالمة سريعة أو اثناء إحدى الاستراحات مع أحد أعضاء فريق الإمداد والتوريد في شركتك واستفسر منهم عن الاستراتيجية المتعبة في إدارة المخزون والموردين وعمليات الانتاج.
3. دون ملاحظاتك واكتب اقتراحاتك وفندها وناقش بها إدارتك المباشرة (هل جربت بور بوينت من قبل؟ قد تكون فرصة لك لتوصل مقترحك بصورة أعلى احترافية!)

أنا مهند وأنا هنا لأُبسط العالم المعقد للمحاسبة والأموال، شكراً لقراءتك ويُسعدني تعليقك بالملاحظات أو اقتراح مسميات عربية أفضل للمصطلحات المستخدمة، أو وجدت أن هناك فكرة مهمة متعلقة بالقصة ولم اذكرها.